خطاب نصر الله يوم الجمعة ومعادلات الحرب

2/11/2023
خطاب نصر الله يوم الجمعة ومعادلات الحرب 
شوقي العيسة
 
اي نقاش لما يجري منذ ٧ اكتوبر بناء على معلومات جزئية او منتقاة او اعتمادا على ان امريكا واسرائيل وايران يفكرون بالطريقة العربية لا يكون نقاشا علميا ولا يصل الى نتيجة او توقع صحيح.
لفهم مجريات الامور يجب الاعتماد على اسس ومعطيات يبنى عليها. ومعرفة اهداف اطراف الصراع.
وهنا لن اتطرق للانظمة العربية كطرف لانها طرف مستخدَم ومفعول به وليس مقررا.
اولا: الشعب الفلسطيني 
نحن شعب تحت الاستعمار المباشر منذ الحرب العالمية الاولى، واي شعب دولته محتلة لا يمكن ان يجلس صامتا. والشعب الفلسطيني على مدى قرن واكثر قليلا من السنين لم يعلن يوما استسلامه وكان لديه باستمرار من يقاوم من اجل التحرير. 
ورغم فشل عدة تجارب ورغم الكر والفر والنهوض والتراجع لم يتوقف يوما. 
وحقق انجازات اقلها انه لا يزال موجودا وصامدا وقادرا على التجدد والابتكار.
حركة التحرر الفلسطينية المعاصرة قادتها فتح ومن معها (م ت ف). في ذلك الوقت وقت ازدهار فتح كان الشرق الاوسط ودول الاستعمار ينتظرون نتائج اجتماعات اللجنة المركزية لفتح كما ينتظرون الان خطاب الجمعة للسيد حسن نصر الله. 
بما ان الشعب الفلسطيني لا يحصل على شرعية قيادته الا من يقاوم فان فتح خسرت هذه الشرعية بعد استشهاد ياسر عرفات لانها تخلت عن المقاومة وارتمت في احضان الحل الامريكي. 
كان بالضرورة ان يظهر مقاوم اخر ليحل محلها.
وهناك شروط غير معلنة يعرفها الشعب الفلسطيني بالفطرة. يجب ان تكون متوفرة في من يمثل المقاومة هذه الشروط اهمها ان تكون حركة فلسطينية وطنية وليس امتداد عضوي لجسم غير فلسطيني. والشرط الثاني في الاهمية ان تكون حركة مقاومة.
ولهذا نجحت فتح سابقا في انتزاع شرعية التمثيل. الامر الذي فشل في انتزاعه حركات مقاومة سبقتها في التأسيس والعمل مثل الاخوان المسلمين والشيوعيين والقوميين. 
يبدو ان حماس فهمت هذه الامور جيدا. فخرجت من الامتداد الاخواني وقدمت نفسها كحركة وطنية فلسطينية مقاومة. 
في تاريخنا يوجد تجربة سابقة كهذه. عندما خرجت الجبهة الشعبية عام ١٩٦٨ من الامتداد القومي العربي وقدمت نفسها كحركة وطنية فلسطينية مقاومة، لكنها فشلت في انتزاع شرعية التمثيل لسببين اولهما وهو الاهم وجود فتح التي سبقتها الى ذلك وكانت في فترة تمدد وانتشار وازدهار، والثاني انها لم تتقن التحول ولم تكن ديناميكية وبرغماتية لتلعب الدور.
حماس وجدت الوقت ملائما جدا لها بعد استشهاد عرفات والتحولات التي حصلت في حركة فتح وبدأ الجماهير بالابتعاد عنها.
الان، في هذه الحرب الطرف الفلسطيني طرف مقرر. وفي تفاعله مع كل الاطراف الاخرى مصلحته دائما يجدها في اي عمل مهما كان وايا كان الذي يقوم به، شريطة ان يكون هذا العمل مضرا باسرائيل ويضعفها.
ويبدو من مجريات الاحداث ان حماس تفهم هذا جيدا.
ثانيا: اسرائيل 
وللدقة نقول الحركة الصهيونية العالمية واداتها اسرائيل.
هذه الحركة التي تأسست منذ حوالي قرن وربع من السنين، تأسست كحركة تمثل الرأسمال العلماني اليهودي وقررت انها لكي تنفذ اهدافها وتحمي مصالحها، عليها انشاء دولة تكون مركزا لها تنطلق منه وكانت منفتحة على خيارات عدة اين تكون هذه الدولة. ولكنها حسمت امرها بعد مؤتمرها الذي انعقد عام ١٩٠٣ باختيار فلسطين.
وحسمت امرا اخرا وهو انها لا يمكن لها تنفيذ اهدافها الا اذا كانت في تحالف عضوي متين مع قوى الاستعمار الغربي. وهي تعرف ان عليها ان تدفع ثمنا كبيرا وهو ان تبقى تابعة للاستعمار الغربي، وعليه فان استقلالها وسيادتها ستبقى منقوصة دائما. 
استطاعت تنفيذ كل ذلك بالتخطيط الجيد. 
خلال تجربتها طوال القرن وخاصة بعد تأسيس اسرائيل فهمت عميقا بان عليها ان تكون على كل ارض فلسطين على الاقل. وباغلبية يهودية ساحقة. وان يكون اقتصادها قويا، والاهم من كل ذلك ان تكون القوة العسكرية الاقوى كثيرا من باقي دول الشرق الاوسط. لكي تستطيع تنفيذ ما هو مطلوب لمصالح دول الاستعمار الغربي، لكي تحافظ على تحالفها العضوي القوي مع هذه الدول.
الان، هذه الحرب بالنسبة لها مصيرية.
ان تكون بطبيعتها القائمة او لا تكون. او تتحول الى كيان صغير ضعيف غير مفيد لدول الاستعمار الغربي وتعيش تحت رحمة المحيطين بها. او تنتهي وتختفي كأنها لم تكن. 
وهي تعرف ان مصيرها ومستقبلها لتبقى في الخيار الاول مرتبط بمنع الهجرة اليهودية العكسية وبالحفاظ على دعم الغرب. 
٧ اكتوبر خلخل هذين العاملين وهي الان في اخطر وقت مر عليها منذ تأسيسها.
اسرائيل اعتقدت بعد حرب ٧٣ انها حققت الاستقرار وانها الدولة الاقليمية القوية الوحيدة في الشرق الاوسط . ولم يتبق عليها سوى التخلص من منظمة التحرير ومن الفلسطينيين. لذلك بعد حرب ٧٣ والاتفاقية مع مصر. بدأت فورا بالتخطيط لانهاء منظمة التحرير ونفذت ذلك عام ١٩٨٢. 
لكن بعد سنوات قليلة انطلقت الانتفاضة الفلسطينية التي قلبت حساباتها وزعزعت الموازين في كل المنطقة.
استطاعت مرة اخرى ان تعود لاستلام زمام المبادرة بمساعدة دول الاستعمار الغربي وبعض الانظمة العربية من خلال اتفاق اوسلو. وفي تلك الفترة ازعجها ايضا ان ايران بعد انتهاء حربها مع العراق بدأت تعمل وتخطط لتصبح دولة قوية قادرة على حماية نفسها والاهم انها بدأت العمل على ان تصبح دولة اقليمية.
جاءت الانتفاضة الثانية وقلبت الطاولة مرة اخرى.
الفرق بين ٧ اكتوبر والانتفاضة الثانية. 
خلال الانتفاضة الثانية كانت فتح في خريف العمر وكانت تخسر جماهيريتها بسبب اتفاق اوسلو والاهم بسبب تصرفات السلطة التي تقودها فتح، سواء من خلال الفساد المستشري او من خلال تصرفات اجهزتها الامنية. 
اعتقدت اسرائيل ان باستطاعتها تغيير جوهر فتح باغتيال عرفات وتوجيه ضربة قاصمة للتنظيم. وقامت بذلك. ولكنها لم تفهم انها بذلك مهدت الطريق امام حماس لتلتقط اللحظة التاريخية، كما سبق والتقطتها فتح بعد حرب عام ١٩٦٧ ومعركة الكرامة.
وقامت حماس بالتقاط اللحظة وشاركت في الانتخابات.
واصبحت قوة فعالة ومقررة.
امر اخر ازعج اسرائيل هو بدأ ظهور تركيا كدولة قوية لها طموحات اقليمية، فحاولت التحالف معها في وجه منافسها وهي ايران. تركيا لها طموحاتها وتنافس ايران في المنطقة ولكنها ايضا تنافس اسرائيل.
في هذه الحرب سقف اسرائيل الاعلى هو تحويلها الى حرب اقليمية بمشاركة كاملة من امريكا واوروبا. تكون حرب مجازر طاحنة تستطيع خلالها التخلص من حزب الله وترحيل كل سكان غزة الى مصر او الى مصر ودول اخرى وكذلك تغيير الوضع في الضفة وترحيل كل او جزء منهم الى الاردن ودول اخرى. 
لكن اسرائيل تعرف ان هذا السيناريو تقريبا مستحيل الحدوث وان الطرف الاخر في الحرب سيكون اضافة للفلسطينيين ايران وكل اذرعها في المنطقة. 
كذلك تركيا وروسيا والصين لن يسمحوا بحدوث ذلك وكل منهم له اسبابه القوية.  والاهم انها تعرف ايضا ان امريكا لها حساباتها واستراتيجيتها الخاصة بها، وانها اي امريكا تعرف ان بامكانك بدأ الحرب ولكنك لا يمكن ان تعرف كيف تستمر وكيف تنتهي. اضافة الى ان امريكا الان في خضم تحولات في النظام العالمي باكمله ولن تدخل في مغامرة غير مضمونة النتائج.
لذلك تعرف اسرائيل ان الخيار الاقرب للواقعية هو المحافظة على وضعها الحالي مع الظهور انها اضعفت حماس. وانتظار المعركة القادمة.  
ثالثا: ايران
ايران منذ ان بدأت تعمل وتظهر كقوة اقليمية في الشرق الاوسط تعرف حقيقتين الاولى ان منافسها الحقيقي هو تركيا واسرائيل. وان صراعها معهم كأي صراع بين دول اقليمية تحكمه معادلات السياسة. والحقيقة الثانية ان من يكسب تعاطف شعوب المنطقة العربية يتفوق على الاخر وهنا اسرائيل ليست منافس وتركيا يراها العرب على انها ليست في الخندق المعادي لامريكا المكروهة عربيا. وتفهم ايران ان القضية الفلسطينية تلعب الدور الرئيسي في كسب تعاطف العرب خاصة وانها شعوبا غير راضية عن حكامها. فتبنت القضية الفلسطينية. من خلال التحالف مع القوى الفلسطينية الصاعدة وذات التأييد الجماهيري. وتبنت الاقليات العربية الشيعية المضطهدة وبنت اذرعا قوية لها في دول عربية وازنة. وايران في هذه الحرب لن تسمح بخسارة هذا الامتداد العربي وتعاطف الجماهير العربية. لانها ان فعلت ستضعف كثيرا في منافسة تركيا واسرائيل على الدور الاقليمي وستنكمش على نفسها. 
رابعا: تركيا 
تركيا تعتبر انها هي صاحبة الحق والفرصة الاكبر في ان تكون الدولة الاقليمية الاقوى في الشرق الاوسط وان لديها عوامل قوة اكثر من اسرائيل وايران. وفي هذا الصراع تحافظ على علاقات قوية مع امريكا لفهمها ان امريكا مهيمنة على الانظمة العربية. ولكنها تعرف ان ثقة امريكا والغرب في ولاء وتبعية اسرائيل لها اكبر بكثير من الاعتماد على تركيا، وتبقي على علاقة جيدة مع اسرائيل لاضعاف ايران ولكنها لا تريد لاسرائيل ان تبقى قوية. 
تركيا في هذا اللعبة السياسية تعرف ان امريكا والغرب بحاجة ماسة لها في صراعها العالمي مع روسيا والصين وتستغل ذلك.
ورغم معرفتها ان تبني القضية الفلسطينية يؤمن لها تعاطف الشعوب العربية الا ان محاولاتها القيام بذلك بقيت محدودة ولا تضاهي النجاح الايراني في هذا المجال. 
الان في هذه الحرب ان بقيت على الحياد تخسر كثيرا كقوة اقليمية، واذا توسعت الحرب واصبحت اقليمية فلن يكون لها خيار للحفاظ على مركزها سوى الوقوف ضد اسرائيل. 
خامسا: الولايات المتحدة واوروبا الغربية 
الولايات المتحدة الاميركية دولة عظمى وفي هذه المرحلة هي في خضم صراع دولي على النفوذ العالمي. بنتيجته عليها ان تتقاسم هذا النفوذ العالمي مع الصين وروسيا ولن تبقى الوحيدة المهيمنة على العالم. وهي لها اتباع وحلفاء متعددين في مختلف القارات. ولكن عقدتها في الشرق الاوسط ان الحليف التابع لها الوحيد الثابت والدائم هو اسرائيل بينما كل اتباعها الاخرين لا يمكن الاعتماد على ثباتهم وبقائهم. فالانظمة العربية مكروهة من شعوبها وغير ثابتة وتركيا دولة قوية وتجري وراء مصالحها وعليه تحالفها مع امريكا متحرك وغير دائم وكذلك ايران. 
إسرائيل تبعيتها لامريكا الثابتة والدائمة سببها انها بدون ذلك لن يكون لها وجود كما ذكرنا اعلاه. 
لذلك ليس من مصلحة امريكا الدخول في حرب اقليمية طاحنة ربما تصبح دولية غير مضمونة النتائج ويمكن خلالها ان تخسر اسرائيل. 
بناء على كل ما ورد اعلاه انظر الى خطاب الجمعة القادمة.
الخطاب سيقرأه السيد حسن ولكنه عمليا موقف ايران ومعسكرها في المنطقة وتحالفاتها الدولية.
النقطة الاولى ان الاعلان عن الخطاب جاء قبل حوالي اسبوع من حدوثه. وهذا يعني ان ايران تقول لامريكا لا استطيع الانتظار اكثر من ذلك وعليكم الوصول معي الى حل وسط قبل هذا التاريخ.
وثانيا انني لا اسمح بالقضاء على حماس لان ذلك يعني انني سأبدأ بخسارة نقاط قوتي كقوة اقليمية تباعا. 
امام هذا الوضع المعقد الكلمة لامريكا لان اسرائيل هنا خرجت من القدرة على القرار والقضية اصبحت اكبر منها وعليها ان ترضخ لاي قرار تتخذه امريكا. 
الان اعتقادي الشخصي ان امريكا في هذه المرحلة الدقيقة تخشى خسارة انظمة عربية وخاصة مصر والاردن اما بانقلابات عسكرية او ثورات شعبية وكذلك العراق. وفي نفس الوقت لن تخرج خروج المهزوم هي وذنبها الاسرائيلي. لذلك ستعطي مخرجا لايران كي تتلافى الحرب الاقليمية. بان تقوم قبل الخطاب باعلان هدنة انسانية لايام ثم تمددها وتنهي الحرب وكل ذلك باتفاق مسبق مع ايران. ثم تعيد تأهيل اسرائيل وتبدأ بالبحث عن حل مرحلي للقضية الفلسطينية بما لا يؤثر على مصالحها وبناء على المستجدات التي ستكون فيها حماس مقررا. 
اما الخيار الاخر الذي استبعده كثيرا هو ان تقرر امريكا ان تبدأ الحرب العالمية الثالثة يوم الجمعة لاعادة تقاسم العالم مع الصين وروسيا من خلال حرب شاملة. 

Add new comment