Shawqi Issa
Published on Shawqi Issa (https://www.shawqiissa.org)

Home > اسرائيل في معادلات السياسة الدولية

اسرائيل في معادلات السياسة الدولية

12/10/2024

اسرائيل في معادلات السياسة الدولية 

حتى نفهم ما يجري ونبتعد عن سخافات بعض المحللين من امثال من يرددون ان كل هذه الجرائم لكي يحافظ نتنياهو على منصبه. علينا ان نفهم ما هي اسرائيل ما هو جوهرها وما هو دورها. 

بعد الثورة الصناعية في اوروبا تسارع تطور النظام الرأسمالي العالمي وتطورت معه علوم السياسة لديهم  واخذ التخطيط الاستراتيجي مفهوما جديدا.

بانتقال النظام الرأسمالي الى الامبريالي اصبح التخطيط الاستراتيجي للنظام ككل وليس لكل دولة على حدة. 

وهذا يعني عمليا ضرورة الهيمنة العالمية للنظام. وعليه اصبحت هناك ضرورة للاستقرار الداخلي الدائم، ومن هنا ظهرت آلية الدولة العميقة القوية. فمهما تغيرت الحكومات والرؤساء في دولهم يبقون تحت سيطرة الدولة العميقة المحافظة على مسيرة الاستراتيجية الكلية للحفاظ على النظام الرأسمالي وتطويره. 

كان واضحا لهم ان الاقتصاد الصناعي حتى يدوم ويتطور هناك حاجة دائمة ومتزايدة لمصادر الطاقة والمواد الخام مما يتطلب الحيلولة دون ظهور نظام معادي لنظامهم ومحاربته بشدة عندما يظهر. 

هذا النظام الرأسمالي القوي في اوروبا ومعه امريكا التي اصبحت لاحقا القائد له، وجد في الاستعمار العسكري المباشر على الدول الضعيفة احد الأساليب الرئيسية للهيمنة والنهب. 

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فهموا ان التطور المتسارع في الاقتصاد وفي الحضارات المرافقة ادى الى تمدد الحضارة والثقافة خارج حدود القارات والدول وبالتالي فان تأثير ما بدأ يظهر من حركات فلسفية واجتماعية وثقافية سينتشر وسيؤثر ويخلق تحديات متجددة لنظامهم.

ومن ضمن ذلك سيؤثر على مستقبل الاستعمار العسكري المباشر للدول الاضعف.

فبدأوا يضعون الخطط الاستراتيجية طويلة الأمد لتأمين مواصلة هيمنتهم على العالم والحفاظ على نظامهم وتطويره في المراحل القادمة التي لن يستطيعوا خلالها مواصلة الاستعمار العسكري المباشر. 

من المنطق الاعتقاد ان هذا التخطيط بدأ في الربع الاخير من القرن التاسع عشر.

اول ما يبرز خلال تلك العملية التخطيطية لمواصلة الهيمنة العالمية، تبرز اهمية منطقة الشرق الاوسط وعمادها العالم العربي، لموقعها الجغرافي وخيراتها. كذلك التخوف من بروزها مستقبلا كقوة عالمية منافسة وكان في ذهنهم محاولات محمد علي وابراهيم باشا لتوحيد مصر والشام، خاصة وان المنطقة كانت امبراطورية قوية قبل الحروب الصليبية، ولديها تاريخ مشترك ولغة ودين مشترك. وهي الان (في تلك الفترة) امبراطورية كبيرة لكنها اضعف منهم وفي طريقها لتضعف اكثر، لاحقا اطلقوا عليها اسم الرجل المريض.

كيف يمكن ضمان هيمنة دائمة ومستمرة للدول الرأسمالية الاوروبية على الشرق الاوسط.

اولا بفصل المشرق العربي عن المغرب العربي. ثم تقسيم كل جزء من الجزئين الى دول صغيرة وضعيفة تواصل استعمارها بشكل غير مباشر من خلال تنصيب زعماء تابعين لهم والعمل باستمرار على إبقائهم ضعفاء ومتنافرين. طبعا كل ذلك بعد تدمير (الرجل المريض).

كيف يمكن فصل المشرق العربي عن المغرب العربي بشكل دائم او لاطول فترة زمنية ممكنة. 

بزرع دولة اوروبية في منتصفه بالطريقة التي خلقوا بها الولايات المتحدة الامريكية واستراليا. 

الخيارات كانت زرع هذه الدولة في مصر او في بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين).

ولأنهم يخططون جيدا بناء على دراسات وابحاث علمية متينة. وجدوا ان التطبيق يحتاج لفترة طويلة نسبيا اي انه سيحصل في القرن العشرين وان العالم في القرن العشرين يختلف كليا عنه في القرون الغابرة عندما خلقوا امريكا واستراليا. وسيكون من الصعب التخلص من الشعب المصري او شعب بلاد الشام، كذلك فإن خلق دولة اوروبية في المنطقة لن يدوم في المستقبل ولفترة طويلة خاصة بعد تجربتهم في الحروب الصليبية.

 

فظهرت لهم فكرتان خلاقتان الاولى تصغير المساحة بعدد سكان اقل على ان يوسعوها لاحقا باساليب تناسب العصر الذي سيحصل فيه التوسيع، والثانية استغلال التاريخ الديني اليهودي القديم في المنطقة.

الفكرة الثانية كانت فكرة ذهبية لعدة اسباب 

اولها، ان دولة لليهود الاوروبيين في المنطقة لن تستطيع الاستمرار بدونهم اي سيضمنون التبعية الدائمة لهم. 

ثانيا، سيضمنون دعم شعوبهم نتيجة لانتشار اللاسامية وكره اليهود. 

ثالثا، لأن بامكانهم الحصول على دعم كبير من اليهود الاوروبيين الذين يتعرضون لكل اشكال الاضطهاد في اوروبا ولأن المتدينين منهم سيدعموا الفكرة لاسباب دينية. 

وعليه اسسوا مع نهاية القرن التاسع عشر الحركة الصهيونية بقيادة ممثلي الرأسمال اليهودي الاوروبي وجماهيرها يهود اوروبا. 

وقرروا اقامة الدولة الاستعمارية الاوروبية في سيناء. 

على ان تقدم للعالم على انها دولة يهودية بناء على التاريخ اليهودي.

اليهود المتدينين اصروا على انشاء الدولة في سيناء وفلسطين، او فلسطين بدون سيناء. لكن قيادة الحركة الصهيونية الذين يمثلون الرأسمالية اليهودية الاوروبية ويعتبرون انفسهم جزأ من النظام الرأسمالي وافقوا على المشروع.

طبعا في ذلك الوقت كان المخطط الاوروبي مبني على اساس ان تكون الدولة اليهودية تحت السيادة البريطانية، على الاقل في البداية، كما حصل مع امريكا واستراليا.

الحركة الصهيونية في بداياتها لم تكن متجانسة، كان اليهود المتدينين وخاصة من أوروبا الشرقية يعتبرون هرتسل ومن معه في قيادة الحركة الموافقين على الطرح البريطاني منصهرين في المجتمع الاوروبي المسيحي وليسوا يهودا بما فيه الكفاية.

تغيير الخطة الاستعمارية الاوروبية في بداية القرن العشرين

يبدو ان الدولة العميقة في العالم الرأسمالي وقتذاك وجدت ان الخطة غير قابلة للتطبيق لاسباب كثيرة ليس مجال شرحها هنا. فابلغوا هرتسل وقيادة الحركة الصهيونية بان اقامة دولة لهم في سيناء او فلسطين غير ممكن ولإرضائهم فانهم سيمنحونهم حكم ذاتي في منطقة في افريقيا تحت السيادة البريطانية.

الدولة العميقة الرأسمالية لا تأبه بالأديان وهدفها الهيمنة وكذلك قيادة الحركة الصهيونية كجزء منها. 

وافقت قيادة الحركة الصهيونية على حكم ذاتي في افريقيا.

في المؤتمر الصهيوني المنعقد عام ١٩٠٣ طرح هرتسل على المؤتمر ان اقامة دولة في سيناء او فلسطين غير ممكن وعلينا ان نوافق على الطرح البريطاني باقامتها في افريقيا.

كانت اغلبية اعضاء المؤتمر ضد طروحات هرتسل ويصرون على اقامة الدولة في فلسطين ولكنهم يعرفون انه بدون هرتسل ومن معه اي ممثلي الرأسمالية لا يستطيعون فعل شيء. فاتفق المؤتمر على حل وسط وهو ارسال بعثة الى افريقيا لاستطلاع المنطقة المطروحة واتخاذ القرار بشأنها في المؤتمر القادم. 

بعد المؤتمر توفي هرتسل. والحركة الصهيونية بالتدريج اصبحت اقوى وازداد نفوذهم في العالم الرأسمالي في اوروبا وامريكا. واصبح اصحاب الرأي باقامة الدولة في فلسطين متغلغلين في قيادة الحركة. الا ان بريطانيا ودول الاستعمار حافظوا على موقفهم بان الظروف لا تسمح. وعليه بلفور نفسه صاحب الوعد الشهير كان رافضا لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين وكان وقتها رئيسا لوزراء بريطانيا.

الحرب العالمية الاولى وتغير الظروف

اثناء الحرب العالمية الاولى تغير موقف مخططي استراتيجية الدولة العميقة الراسمالية وقرروا بضرورة اقامة الدولة الاستعمارية الاوروبية (اليهودية) في فلسطين. وذلك لعدة اسباب منها 

اولا اصبحوا على قناعة بان الامبراطورية العثمانية في طريقها للانهيار وهي كانت عائقا رئيسيا في تنفيذ المخطط

ثانيا اصبحت الحركة الصهيونية قوية ومؤثرة في اوروبا

ثالثا ان القيادات العربية في ذلك الوقت اجهل من ان تفهم معادلات السياسة الدولية واضعف من ان ترفض.

رابعا ان وجود دولة استعمارية اوروبية تفصل المشرق العربي عن مغربه اصبحت ممكنة وهي ضرورة قصوى للهيمنة على المنطقة لفترة طويلة جدا. 

فصدر وعد بلفور ولاحقا تم تثبيته بقرار من عصبة الامم التي تشكلت بعد الحرب لحماية مصالح المنتصرين.

لاحقا اقيمت دولة اسرائيل بقرار من الدولة العميقة الرأسمالية والتي انتقلت قيادتها من اوروبا الى امريكا. 

وقسم العالم العربي الى دويلات ضعيفة تحكمها عائلات وزعماء خاضعين لارادة الدولة العميقة الاستعمارية الامبريالية. 

 

ما الذي يجري الان

في هذه المرحلة يدور صراع عالمي شرس بين قطبين القطب الامبريالي بقيادة امريكا والقطب الثاني بقيادة الصين ومعها روسيا. وهذا الصراع يحدد من سيهيمن على العالم في الحقبة الزمنية القادمة. 

بالنسبة للقطب الامريكي مواصلة الهيمنة على الشرق الاوسط تشكل ضرورة قصوى لها في هذا الصراع. لذلك فإن اسرائيل قوية ومتوسعة اصبحت على درجة كبيرة من الاهمية. وعليه يجب القضاء على كل قوة معادية في المنطقة. 

لذلك نرى الدعم المطلق من القطب الامريكي لاسرائيل لانه يستخدمها للحفاظ على مصالحه ونرى الانبطاح الكامل للانظمة العربية لان هذا هو الدور المرسوم لها، وكان الغرب يرعاها ويسمنها من اجل القيام بهذا الدور الان. 

من يعتقد ان سبب ما يجري هو حماس وحزب الله كمن لا يزال يعتقد ان سبب الحرب العالمية الاولى كان قيام طالب جامعي صربي باغتيال ولي العهد النمساوي.

 

ما يجري الان هو بداية حرب شرق اوسطية هدف الدولة العميقة الامبريالية منها هو اعادة تشكيل المنطقة لتأمين مواصلة الهيمنة عليها في صراعها العالمي، وهذا يتطلب القضاء على اي قوة فلسطينية تقف عائقا وشطب القضية الفلسطينية والقضاء على اي قوة عربية تقف عائقا امام تقوية اسرائيل وتوسعها في المنطقة.

ولكن الشعوب العربية لم تعد تلك التي كانت في النصف الاول من القرن الماضي حيث كانت الامية منتشرة والجهل السياسي منتشرا.

لذلك ستكون حربا طويلة وشرسة. لانها تجري في سياق الصراع العالمي واسرائيل خلالها اداة وجزأ من الغرب الامبريالي. 

 

 

  • سياسة [1]
جميع الحقوق محفوظة و المواد 2015 ©
Powered By Tassmeem Co.Ltd

Source URL:https://www.shawqiissa.org/en/node/95

Links
[1] https://www.shawqiissa.org/en/taxonomy/term/6